الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»
.تفسير الآية رقم (41): {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)}{واصطنعتك لِنَفْسِى} واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرامة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه..تفسير الآية رقم (42): {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)}{اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بئاياتى} بمعجزاتي. {وَلاَ تَنِيَا} ولا تفترا ولا تقصرا، وقرئ: {تِنيَا} بكسر التاء. {فِى ذِكْرِي} لا تنسياني حيثما تقلبتما. وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إليَّ..تفسير الآية رقم (43): {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)}{اذهبا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} أمر به أولاً موسى عليه الصلاة والسلام وحده وههنا إياه وأخاه فلا تكرير. قيل أوحى إلى هرون أن يتلقى موسى. وقيل سمع بمقبله فاستقبله..تفسير الآية رقم (44): {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} مثل {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ فتخشى} فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة حذراً أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما؛ أو احتراماً لما له من حق التربية عليك. وقيل كنياه وكان له ثلاث كنى: أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة. وقيل عداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لا يزول إلا بالموت. {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} متعلق ب {اذهبا} أو {قولا} أي: باشرا الأمر على رجائكما. وطمعكما أنه يثمر ولا يخيب سعيكما، فإن الراجي مجتهد والآيس متكلف، والفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الاجتهاد مع علمه بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم، ولذلك قدم الأول أي إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى..تفسير الآية رقم (45): {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)}{قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة، من فرط إذا تقدم ومنه الفارط وفرس فرط يسبق الخيل. وقرئ: {يَفْرُطَ} من أفرطته إذا حملته على العجلة، أي نخاف أن يحمله حامل من استكبار أو خوف على الملك أو شيطان إنسي أو جني على المعالجة بالعقاب، و{يَفْرُطَ} من الإِفراط في الأذية. {أَوْ أَن يطغى} أو أن يزداد طغياناً فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب..تفسير الآية رقم (46): {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)}{قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا} بالحفظ والنصر. {أَسْمَعُ وأرى} ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل، فأحدث في كل ما يصرف شره عنكما ويوجب نصرتي لكما، ويجوز أن لا يقدر شيء على معنى إنني حافظكما سامعاً ومبصراً، والحافظ إذا كان قادراً سميعاً بصيراً تم الحفظ..تفسير الآية رقم (47): {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)}{فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل} أطلقهم. {وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ} بالتكاليف الصعبة وقتل الولدان، فإنهم كانوا في أيدي القبط يستخدمونهم ويتعبونهم في العمل ويقتلون ذكور أولادهم في عام دون عام، وتعقيب الإِتيان بذلك دليل على أن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإِيمان، ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة. {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مِّن رَّبِّكَ} جملة مقررة لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة، وإنما وحد الآية وكان معه آيتان لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا الإِشارة إلى وحدة الحجة وتعددها، وكذلك قوله: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ} {فائت بِئَايَةٍ} {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَئ مُّبِينٍ} {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} وسلام الملائكة وخزنة الجنة على المهتدين، أو السلامة في الدارين لهم..تفسير الآية رقم (48): {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)}{إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى} أن عذاب المنزلين على المكذبين للرسل، ولعل تغيير النظم والتصريح بالوعيد والتوكيد فيه لأن التهديد في أول الأمر أهم وأنجع وبالواقع أليق..تفسير الآية رقم (49): {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)}{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} أن بعد ما أتياه وقالا له ما أمرا به، ولعله حذف لدلالة الحال عليه فإن المطيع إذا أمر بشيء فعله لا محالة، وإنما خاطب الإِثنين وخص موسى عليه الصلاة والسلام بالنداء لأنه الأصل وهرون وزيره وتابعه، أو لأنه عرف أن له رتة ولأخيه فصاحة فأراد أن يفحمه ويدل عليه قوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ}.تفسير الآية رقم (50): {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)}{قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ} من الأنواع {خَلْقَهُ} صورته وشكله الذي يطابق كماله الممكن له، أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، فقدم المفعول الثاني لأنه المقصود بيانه. وقيل أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة زوجاً. وقرئ: {خَلَقَهُ} صفة للمضاف إليه أو المضاف على شذوذ فيكون المفعول الثاني محذوفاً أي: أعطى كل مخلوق ما يصلحه. {ثُمَّ هدى} ثم عرفه كيف يرتفق بما أعطي وكيف يتوصل به إلى بقائه وكماله اختياراً أو طبعاً، وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها، ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الإِطلاق هو الله تعالى وأن جميع ما عداه مفتقر إليه منعم عليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله، ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عليه فلم ير إِلاَّ صَرْفَ الكلام عنه..تفسير الآية رقم (51): {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)}{قَالَ فَمَا بَالُ القرون الأولى} فما حالهم بعد موتهم من السعادة والشقاوة..تفسير الآية رقم (52): {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)}{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى} أي هو غيب لا يعلمه إلا هو وإنما أنا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به. {فِى كتاب} مثبت في اللوح المحفوظ، ويجوز أن يكون تمثيلاً لتمكنه في علمه بما استحفظه العالم وقيده بالكتبة ويؤيده. {لاَّ يَضِلُّ رَبِّى وَلاَ يَنسَى} والضلال أن تخطئ الشيء في مكانه فلم تهتد إليه، والنسيان أن تذهب عنه بحيث لا يخطر ببالك، وهما محالان على العالم بالذات، ويجوز أن يكون سؤاله دخلاً على إحاطة قدرة الله تعالى بالأشياء كلها وتخصيصه ابعاضها بالصور والخواص المختلفة، بأن ذلك يستدعي علمه بتفاصيل الأشياء وجزئياتها، والقرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدتهم وتباعد أطرافهم كيف أحاط علمه بهم وبأجزائهم وأحوالهم فيكون معنى الجواب: أن علمه تعالى محيط بذلك كله وأنه مثبت عنده لا يضل ولا ينسى..تفسير الآيات (53- 70): {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}{الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً} مرفوع صفة ل {رَبّى} أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح. وقرأ الكوفيون هنا وفي {الزخرف} {مهداً} أي كالمهد تتمدونها، وهو مصدر سمي به، والباقون مهاداً وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في {النبأ}. {وَسَلَكَ لَكُمْ سُبُلاً} وجعل لكم فيها سبلاً بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها. {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً} مطراً. {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى، تنبيهاً على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذاناً بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته، وعلى هذا نظائره كقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} {أَم مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ} الآية. {أزواجا} أصنافاً سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض. {مّن نبات} بيان أو صفة لأزواجاً وكذلك: {شتى} ويحتمل أن يكون صفة ل {نَبَاتُ} فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع، وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال: {كُلُواْ وارعوا أنعامكم} وهو حال من ضمير {فَأَخْرَجْنَا} على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين {كُلُواْ وارعوا}، والمعنى معديهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه. {إِنَّ في ذلك لأيات لأُوْلِى النهى} لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية.{مِنْهَا خلقناكم} فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم. {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} بالموت وتفكيك الأجزاء. {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها.{وَلَقَدْ أريناه ءاياتنا} بصرناه إياها أو عرفناه صحتها. {كُلَّهَا} تأكيد لشمول الأنواع أو لشمول الأفراد، على أن المراد بآياتنا آيات معهودة وهي الآيات التسع المختصة بموسى، أو أنه عليه السلام أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من المعجزات {فَكَذَّبَ} موسى من فرط عناده. {وأبى} الإِيمان والطاعة لعتوه.{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا} أرض مصر. {بِسِحْرِكَ ياموسى} هذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقاً حتى خاف منه على ملكه، فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه.{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ} مثل سحرك. {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَّوْعِدًا} وعداً لقوله: {لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ} فإن الإِخلاف لا يلائم الزمان والمكان وانتصاب. {مَكَاناً سُوًى} بفعل دل عليه المصدر لا به لأنه موصوف، أو بأنه بدل من {مَّوْعِدًا} على تقدير مكان مضاف إليه وعلى هذا يكون طباق الجواب في قوله.{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم، أو بإضمار مثل مكان موعدكم مكان يوم الزينة كما هو على الأول، أو وعدكم وعد يوم الزينة، وقرئ: {يوم} بالنصب وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر، ومعنى سوى منتصفاً يستوي مسافته إلينا وإليك وهو في النعت كقولهم: قوم عدي في الشذوذ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بالضم، وقيل في {يَوْمُ الزينة} يوم عاشوراء، أو يوم النيروز، أو يوم عيد كان لهم في كل عام، وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار. {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} عطف على ال {يوم} أو {الزينة}، وقرئ على البناء للفاعل بالتاء على خطاب فرعون والياء على أن فيه ضمير ال {يوم} أو ضمير {فرعون} على أن الخطاب لقومه.{فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} ما يكاد به يعني السحرة وآلاتهم. {ثُمَّ أتى} الموعد.{قَالَ لَهُمْ موسى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً} بأن تدعوا آياته سحراً. {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} فيهلككم ويستأصلكم، وبه قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب بالضم من الاسحات وهو لغة نجد وتميم، والسحت لغة الحجاز. {وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} كما خاب فرعون، فإنه افترى واحتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه.{فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم: ليس هذا من كلام السحرة. {وَأَسَرُّواْ النجوى} بأن موسى إن غلبنا اتبعناه أو تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى وتشاوروا في السر. وقيل الضمير لفرعون وقومه وقوله: {قَالُواْ إِنْ هاذان لساحران} تفسير ل {أَسَرُّواْ النجوى} كأنهم تشاوروا في تلفيقه حذراً أن يغلبا فيتبعهما الناس، و{هذان} اسم إن على لغة بلحرث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديراً. وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف و{هاذان لساحران} خبرها. وقيل: {إِن} بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر وفيهما إن اللام لا تدخل خبر المبتدأ. وقيل أصله إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف، وقرأ أبو عمرو {أن هذين} وهو ظاهر، وابن كثير وحفص {أَنْ هاذان} على أنها هي المخففة واللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا. {يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ} بالاستيلاء عليها. {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما لقوله: {إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ} وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى {أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل} وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم.{فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} فأزمعوه واجعلوه مجمعاً عليه لا يتخلف عنه واحد منكم. وقرأ أبو عمرو {فَأَجمعوا} ويعضده قوله: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} والضمير في {قَالُواْ} إن كان للسحرة فهو قول بعضهم لبعض. {ثُمَّ ائتوا صَفّاً} مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين. قيل كانوا سبعين ألفاً مع كل واحد منهم حبل عصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة. {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} فاز بالمطلوب من غلب وهو اعتراض.{قَالُواْ يَا موسى إَمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} أي بعد ما أتوا مراعاة للأدب و{أن} بما بعده منصوب بفعل مضمر أو مرفوع بخبرية محذوف، أي اختر إلقاءك أولاً أو إلقاءنا أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا.{قَالَ بَلْ أَلْقُواْ} مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم، وإسعافاً إلى ما أوهموا من الميل إلى البدء بذكر الأول في شقهم وتغيير النظم إلى وجه أبلغ، ولأن يبرزوا ما معهم ويستنفذوا أقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه. {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} أي فألقوا فإذا حبالهم وعصيهم، وهي للمفاجأة والتحقيق أنها أيضاً ظرفية تستدعي متعلقاً ينصبها وجملة تضاف إليها، لكنها خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة والجملة ابتدائية والمعنى: فألقوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم، وذلك بأنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت فخيل إليه أنها تتحرك. وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان وروح {تخيل} بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال، والعصي وإبدال أنها {تسعى} منه بدل الاشتمال، وقرئ: {يخيل} بالياء على إسناده إلى الله تعالى، و{تخيل} بمعنى تتخيل.{فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} فأضمر فيها خوفاً من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلة البشرية، أو من أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه.{قُلْنَا لاَ تَخَفْ} ما توهمت. {إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} تعليل للنهي وتقرير لغلبته مؤكداً بالاستئناف، وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعريف الخبر ولفظ العلو الدال على الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل.{وَأَلْقِ مَا في يَمِينِكَ} أبهمه ولم يقل عصاك تحقيراً لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويدة التي في يدك، أو تعظيماً لها أي لا تحتفل بكثرة هذه الأجرام وعظمها فإن في يمينك ما هو أعظم منها أثراً فألقه. {تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ} تبتلعه بقدرة الله تعالى، وأصله تتلقف فحذفت إحدى التاءين، وتاء المضارعة تحتمل التأنيث والخطاب على إسناد الفعل إلى المسبب. وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان بالرفع على الحال أو الاستنئاف، وحفص بالجزم والتخفيف على أنه من لقفته بمعنى تلقفته. {إِنَّمَا صَنَعُواْ} أن الذي زوروا وافتعلوا. {كَيْدُ سَاحِرٍ} وقرئ بالنصب على أن ما كافة وهو مفعول صنعوا. وقرأ حمزة والكسائي {سحر} بمعنى ذي سحر، أو بتسمية الساحر سحراً على المبالغة، أو بإضافة الكيد إلى السحر للبيان كقولهم: علم فقه، وإنما وحد الساحر لأن المراد به الجنس المطلق ولذلك قال: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر} أي هذا الجنس وتنكير الأول لتنكير المضاف كقول العجاج:كأنه قيل إنما صنعوا كيد سحري. {حَيْثُ أتى} حيث كان وأين أقبل.{فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّداً} أي فألقى فتلقفت فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته، فألقاهم ذلك على وجوههم سجداً لله توبة عما صنعوا وإعتاباً وتعظيماً لما رأوا. {قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ هارون وموسى} قدم هارون لكبر سنه أو لروي الآية، أو لأن فرعون ربى موسى في صغره فلو اقتصر على موسى أو قدم ذكره لربما توهم أن المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع. روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة ومنازلهم فيها.
|